فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ}.
الضَّميرُ في نَسُوا للْمنهيِّينَ وما موصولةٌ بمعنى الذي أي: فلمَّا نسُوا الوعظ الذي ذكَّرَهُم به الصَّالحون.
قال ابنُ عطيَّة: ويحتمل أن يُرادَ به الذِّكرُ نفسه، ويحتمل أن يراد به ما كان فيه الذكر.
قال أبُو حيان: ولا يظهرُ لي هذان الاحتمالان.
قال شهابُ الدِّين: يعني ابنُ عطية بقوله: الذِّكرُ نفسُهُ أي: نفسُ الموصول مُرادٌ به المصدر كأنه قال: فلمَّا نسُوا الذِّكْرَ الذي ذُكِّروا به، وبقوله: مَا كان فيه الذِّكر نَفَسُ الشيء المذكَّر به الذي هو متعلِّق الذكر؛ لأن ابن عطيَّة لمَّا جعل ما بمعنى الذي قال: إنَّها تحتملُ الوقوع على هذين الشيئن المتغايرين.
فصل:
النِّسيان يطلق على السَّاهي، والعامد التَّارك لقوله: {فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ} أي: تركوه عن قصد، ومنه قوله تعالى: {نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67].
قوله: {بعذابٍ بئيسٍ} أي: شديد.
قرا نافعٌ، وأبو جعفر، وشيبةٌ بيْسٍ بياء ساكنة، وابن عامر بهمزة ساكنة.
وفيهما أربعة أوجه:
أحدها: أنَّ هذا في الأصْلِ فعلٌ ماضٍ سُمِّيَ به فأعربَ كقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «أنهاكم عن قيل وقال» بالإعراب والحكاية، وكذا قولهم: مُذ شبَّ إلى دبَّ ومُذ شبٍّ إلى دَبٍّ، فلما نُقل إلى الاسميَّة صار وصفًا كـ: نِضْوا ونِقْض.
والثاني: أنَّهُ وصف وضع على فعل كـ: حِلْف.
الثالث: أن أصله بَئيس كالقراءةِ المشهورة، فخفَّفَ الهمزة؛ فالتقت ياءان، ثم كسر الياء إتباعًا، كرغيف وشهيد فاستثقل توالي ياءين بعد كسرةٍ، فحذفت الياء المكسورة؛ فصار اللَّفظُ بِيْسٍ وهو تخريج الكسائيِّ.
الرابع: أن أصله بَئِس بوزن كَتِف ثم أتبعت الياءُ للهمزة في الكسر ثم سُكِّنت الهمزة، ثمَّ أبدلت يا كـ: بِيرٍ وذِيبٍ.
وأمَّا قراءة ابن عامر فتحتمل أن تكون فعلًا منقولًا، وأن تكون وصفًا كـ: حِلْف.
وقرأ أبو بكر عن عاصم بَيْئَسٍ بياء ساكنة بين باء، وهمزة مفتوحتين، وهو صفةٌ على فَيْعَل كـ: ضَيْغَم، وصَيْرَف، وصَيْقَل، وهي كثيرةٌ في الأوصافِ.
وقرأ امرؤُ القيسِ: [الرجز]
كِلاهُمَا كَأنَ رَئِيسًا بَيْئَسا ** يَضْرِبُ في يومِ الهِيَاجِ القَوْنَسَا

وقرأ باقي السبعة {بَئِيسٍ} بزنه رَئِيسٍ وفيه وجهان:
أحدهما: أنَّهُ وصفٌ على فَعِيلٍ كـ: شَدِيدٍ، وهو للمبالغة وأصله فاعل.
والثاني: أنه مصدرٌ وصف به أي: بعذابٍ ذي بأس بَئِيس، ف {بَئِيسٍ} مصدر مثل: النكثير والقدير، ومثر ذلك في احتمالِ الوجهين قول أبي الأصبع العدواني: [مجزوء الكامل]
حَنَقًا عليَّ ولا أرَى ** لِيَ مِنْهُمَا شَرًّا بَئِيسًا

وهي أيضًا قراءةُ عليٍّ وأبي رجاء.
وقرأ يعقوبُ القارئ {بَئِسَ} بوزن شَهِدَ، وقرأها أيضًا عيسى بنُ عُمَرَ، وزيد بن علي.
وقرأ نصرُ بنُ عاصم {بَأسَ} بوزن ضَرَبَ فعلًا ماضيًا.
وقرأ الأعمش ومالك بنُ دينار {بَأس} فعلًا ماضيًا، وأصله {بَئِس} بكسر الهمزة، فسكَّنَهَا تخفيفًا كـ: شَهْدَ في قوله: [الرجز]
لَوْ شَهْدَ عَاد فِيَ زَمَانِ تُبَّعِ

وقرأ ابنُ كثير وأهل مكة بِئِسٍ بكسر البَاءِ، والهمز همزًا خفيفًا، ولم يُبَيِّن هل الهمزة مكسورةٌ أو ساكنةٌ؟
وقرأ طلحة وخارجة عن نافع {بَيْسٍ} بفتح الباء، وسكون الياء مثل: كَيْلٍ، وأصله {بَيْئَس} مثل: ضَيْغَم فخفَّف الهمزة بقلبها ياءً، وإدغام الياء فيها ثم خفَّفهُ بالحذف كـ: مَيْت في: مَيِّت.
وقرأ عيسى بن عمر والأعمش وعاصم في رواية {بَيْئٍسٍ} كقراءة أبي بكر عنه، إلاَّ أنَّهُ كسر الهمزة، وهذه قد ردَّها النَّاسُ؛ لأن فَيْعِلًا بكسر العين في المعتلِّ، كما أن فَيْعَلًا بفتحها في الصحيح كـ: سَيِّد وضَيْغَم، على أنه قد شذّ صَيْقِل بالكسر، وعَيَّل بالفتح.
وقرأ نصر في رواية مالك بن دينار عن {بَأسٍ} بفتح الباء والهمزة وجر السِّين، بزنة جَبَلٍ.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وطلحة بن مصرف {بَئِسٍ} مثل كبد وحذر.
قال عبيد الله بن قيس: [المديد]
لَيْتَنِي ألْقَى رُقَيَّةَ فِي ** خَلْوَةٍ مِنْ غَيْرِ مَا بَئِسِ

وقرأ نصر بنُ عاصم في رواية بَيِّسٍ بهمزةٍ مشددة.
قالوا: قلب الياء همةً وأدغمها في مثلها.
ورويت هذه عن الأعمش أيضًا.
وقرأت طائفة بَأسَ بفتح الثلاثة، والهمزة مشددة، فعلًا ماضيًا، كشَمَّرَ، وطائفة أخرى بَأسَ كالتي قبلها إلاَّ أنَّ الهمزة خفيفةٌ، وطائفة بَائسٍ بألف صريحة بين الباءِ والسِّينِ المجرورة، وقرأ أهل المدينة بِئيسٍ كـ: رَئِيسٍ، غلاَّ أنهم كسروا الباء، وهذه لغةُ تميم في فعيل الحلقيِّ العين نحو: بِعِير، وشِعِير، وشِهيد، سواء أكان اسمًا أم صفة.
وقرأ الحسن والأعمس {بِئْيَسٍ} بياء مكسورة، ثم همزة ساكنة، ثم يا مفتوحة، بزنة حِذْيَم، وعِثْيَر.
وقرأ الحسنُ {بِئْسَ} بكسر الباءِ، وسكون الهمزة وفتح السِّينِ، جعلها التي للذَّمِّ في نحو: بِئْسَ الرجل زيدٌ.
ورُويت عن أبي بكر.
وقرأ الحسن أيضًا كذلك، إلاَّ أنه بياءٍ صريحة، وتخريجها كالتي قبلها، وهي مرويةً عن نافع وقد ردَّ أبو حاتم هذه القراءةَ والتي قبلها بأنَّهُ لا يقالُ: مررت برجلٍ بِئْسَ، حتَّى يقال بِئْسَ الرجل، أو بئس رجلًا.
قال النَّحَّاس: وهذا مردودٌ- يعني قول أبي حاتم- حكى النحويون: إن فعلت كذا وكذا فبها ونعمت، أي: ونعمت الخصلة، والتقدير: بِئْسَ العذابُ.
قال شهابُ الدِّينِ: أبو حاتم معذورٌ في القراءة، فإنَّ الفاعل ظاهرًا غير مذكور، والفاعل عمدةٌ لا يجوز حذفه، ولكنه قد ورد في الحديث مَنْ تَوضَّأ فبها ونعْمتُ، ومن اغتسَلَ فالغُسْلُ أفضلُ ففاعل نِعْمَتْ هنا مضمرٌ يفسِّرُهُ سياقُ الكلام.
قال أبُو حيَّان: فهذه اثنتان وعشرون قراءةً، وضبطُها بالتَّلخيص: أنَّها قُرِئتْ ثلاثية اللَّفْظِ، ورباعَّيتَهُ، فالثُّلاثي اسمًا: {بِئْس}، و{َبِيْس}، و{بَيْس}، و{بَأْس}، و{بَأَس}، و{بَئِس}، وفعلًا: {بِيْسَ} و{بِئْس}، و{بَئِس}، و{بَأَس}، و{بَأْس}، و{بَيِس}.
والرباعية اسمًا: {بَيْئَسٍ}، و{بِيْئِسٍ}، و{بَيْئِس}، {وبَيِّسٍ}، و{بَئِيْسٍ}، و{بِئَيْس}، {وبِئْيِسٍ}، و{بِئْيَسٍ}، وفعلًا: {بَأَّسَ}.
وقد زاد أبو البقاء أربع قراءات أخر:
{بَيِس} بباء مفتوحة وياء مكسورة. قال: وأصلها همزة مكسورة فأبدلت ياء،
و{بَيَس} بفتحهما. قال: وأصلها ياء ساكنة وهمزة مفتوحة إلاَّ أنَّ حركة الهمزة ألقيت على الياء وحذفت، ولم تقلب الياء ألفًا، لأنَّ حركتها عارضةٌ.
و{بَأْيَسٍ} بفتح الباء، وسكون الهمزة وفتح الياء. قال: وهو بعيد إذ ليس في الكلام فَعْيَل.
و{بَيْآس} على فَيْعَال. وهو غريب. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)}.
إذا تمادى العبد في تَهتُّكِه، ولم يُبالِ بطول الإمهال والسَّتْر لم تُهْمِلْ يدُ التقرير عن استئصال العين، ومحو الأثر، وسرعة الحساب، وتعجيل العذاب الأدنى قبل هجوم الأكبر. ثم البرءُ في فضاء السلامة، وتحت ظِلِّ الحفظ، ودوام روْح التخصيص وبَرْدِ عيش التقريب. اهـ.

.تفسير الآية رقم (166):

قوله تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر ما هددهم بهمن العذاب الشديد، أتبعه الهلاك فقال: {فلما عتوا} أي تكبروا جلافة ويبسًا عن الانتهاء {عن ما نهوا عنه} أي بعد الأخذ بالعذاب الشديد، وتجاوزوا إلى الاجتراء على جميع المعاصي عنادًا وتكبرًا بغاية الوقاحة وعدم المبالاة، كان مواقعتهم لذلك الذنب وإمهالهم مع الوعظ أكسبتهم ذلك وغلظت أكبادهم عن الخوف بزاجر العذاب، من عتا يعتو عتوًا- إذا أقبل على الآثام، فهو عات، قال عبد الحق في كتابة الواعي: وقيل إذا أقدم على كل أموره، ومنه هذه الآية، وقيل: العاتي هو المبالغ في ركوب المعاصي، وقيل: المتمرد الذي لا ينفع فيه الوعظ والتنبيه، ومنه قوله سبحانه: {فعتوا عن أمر ربهم} [الذاريات: 44] أي جاوزوا المقدار والحد في الكفر- انتهى.
وحقيقته: جاوزوا الأمر إلى النهي، أو جاوزوا الائتمار بأمره، والمادة ترجع إلى الغلظ والشدة والصلابة {قلنا لهم} أي بما لنا من القدرة العظيمة {كونوا قردة} أي في صورة القردة حال كونكم {خاسئين} أي صاغرين مطرودين بعدين عن الرحمة كما يبعد الكلب. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)}.
فيه مباحث:
البحث الأول: العتو عبارة عن الإباء والعصيان، وإذا عتوا عما نهوا عنه فقد أطاعوا، لأنهم أبوا عما نهوا عنه، ومعلوم أنه ليس المراد ذلك فلابد من إضمار، والتقدير: فلما عتوا عن ترك ما نهوا عنه، ثم حذف المضاف، وإذا أبوا ترك المنهي كان ذلك ارتكابًا للمنهى.
البحث الثاني: من الناس من قال: إن قوله: {قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً} ليس من المقال، بل المراد منه: أنه تعالى فعل ذلك.
قال: وفيه دلالة على أن قوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشيء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] هو بمعنى الفعل لا الكلام.
وقال الزجاج: أمروا بأن يكونوا كذلك بقول سمع فيكون أبلغ.
واعلم أن حمل هذا الكلام على هذا بعيد، لأن المأمور بالفعل يجب أن يكون قادرًا عليه، والقوم ما كانوا قادرين على أن يقلبوا أنفسهم قردة.
البحث الثالث: قال ابن عباس: أصبح القوم وهم قردة صاغرون، فمكثوا كذلك ثلاثًا فرآهم الناس ثم هلكوا.
ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن شباب القوم صاروا قردة، والشيوخ خنازير، وهذا القول على خلاف الظاهر.
واختلفوا في أن الذين مسخوا هل بقوا قردة؟ وهل هذه القردة من نسلهم أو هلكوا، وانقطع نسلهم، ولا دلالة في الآية عليه، والكلام في المسخ وما فيه من المباحثات قد سبق بالاستقصاء في سورة البقرة، والله أعلم. اهـ.